فصل: تفسير الآية رقم (144)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الجلالين ***


تفسير الآية رقم ‏[‏74‏]‏

‏{‏فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ‏(‏74‏)‏‏}‏

‏{‏فَلْيُقَاتِلْ فِى سَبِيلِ الله‏}‏ لإِعلاء دينه ‏{‏الذين يَشْرُونَ‏}‏ يبيعون ‏{‏الحياة الدنيا بالاخرة وَمَنْ يقاتل في سَبِيلِ الله فَيُقْتَلْ‏}‏ يستشهد ‏{‏أَو يَغْلِبْ‏}‏ يظفر بعدوّه ‏{‏فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً‏}‏ ثواباً جزيلاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏75‏]‏

‏{‏وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ‏(‏75‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا لَكُمْ لاَ تقاتلون‏}‏ استفهام توبيخ أي لا مانع لكم من القتال ‏{‏فِى سَبِيلِ الله‏}‏ في تخليص ‏{‏المستضعفين مِنَ الرجال والنساء والولدان‏}‏ الذين حبسهم الكفار عن الهجرة وآذوهم قال ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ كنت أنا وأمي منهم ‏{‏الذين يَقُولُونَ‏}‏ داعين يا ‏{‏رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هذه القرية‏}‏ مكة ‏{‏الظَّالِمِ أَهْلُهَا‏}‏ بالكفر ‏{‏واجعل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ‏}‏ من عندك ‏{‏وَلِيّاً‏}‏ يتولى أمورنا ‏{‏واجعل لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً‏}‏ يمنعنا منهم وقد استجاب الله دعاءهم فيسر لبعضهم الخروج وبقي بعضهم إلى أن فتحت مكة وولى صلى الله عليه وسلم عتاب بن أُسيد فأنصف مظلومهم من ظالمهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏76‏]‏

‏{‏الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ‏(‏76‏)‏‏}‏

‏{‏الذين ءَامَنُواْ يقاتلون فِى سَبِيلِ الله والذين كَفَرُواْ يقاتلون فِى سَبِيلِ الطاغوت‏}‏ الشيطان ‏{‏فقاتلوا أَوْلِيَاءَ الشيطان‏}‏ أنصار دينه تغلبوهم لقوتكم بالله ‏{‏إِنَّ كَيْدَ الشيطان‏}‏ بالمؤمنين ‏{‏كَانَ ضَعِيفاً‏}‏ واهياً لا يقاوِم كيد الله بالكافرين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏77‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ‏(‏77‏)‏‏}‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ‏}‏ عن قتال الكفار لما طلبوه بمكة لأذى الكفار لهم وهم جماعة من الصحابة ‏{‏وَأَقِيمُواْ الصلاوة وَءَاتُواْ الزكاوة فَلَمَّا كُتِبَ‏}‏ فرض ‏{‏عَلَيْهِمُ القتال إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ يَخْشَوْنَ‏}‏ يخافون ‏{‏الناس‏}‏ الكفار أي عذابهم بالقتل ‏{‏كَخَشْيَتِ‏}‏ هم عذاب ‏{‏الله أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً‏}‏ من خشيتهم له ونصب «أشد» على الحال وجواب «لما» دل عليه ‏(‏إذا‏)‏ وما بعدها أي فاجأتهم الخشية ‏{‏وَقَالُواْ‏}‏ أي جزعاً من الموت ‏{‏رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القتال لَوْلا‏}‏ هلاَّ ‏{‏أَخَّرْتَنَا إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ‏}‏ لهم ‏{‏متاع الدنيا‏}‏ ما يتمتع به فيها أو الاستمتاع بها ‏{‏قَلِيلٌ‏}‏ آيل إلى الفناء ‏{‏والاخرة‏}‏ أي الجنة ‏{‏خَيْرٌ لّمَنِ اتقى‏}‏ عقاب الله بترك معصيته ‏{‏وَلاَ تُظْلَمُونَ‏}‏ بالتاء والياء تنقصون من أعمالكم ‏{‏فَتِيلاً‏}‏ قدر قشرة النواة فجاهدوا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏78‏]‏

‏{‏أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ‏(‏78‏)‏‏}‏

‏{‏أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الموت وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ‏}‏ حصون ‏{‏مُّشَيَّدَةٍ‏}‏ مرتفعة فلا تخشوا القتال خوف الموت ‏{‏وَإِن تُصِبْهُمْ‏}‏ أي اليهود ‏{‏حَسَنَةٌ‏}‏ خصب وسعة ‏{‏يَقُولُواْ هذه مِنْ عِندِ الله وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ‏}‏ جدب وبلاء كما حصل لهم عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ‏{‏يَقُولُواْ هذه مِنْ عِندِكَ‏}‏ يا محمد أي بشؤمك ‏{‏قُلْ‏}‏ لهم ‏{‏كل‏}‏ من الحسنة والسيئة ‏{‏مِنْ عِندِ الله‏}‏ من قبله ‏{‏فَمَالِ هَؤُلاءِ القوم لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ‏}‏ أي لا يقاربون أن يفهموا ‏{‏حَدِيثاً‏}‏ يُلقى إليهم و«ما» استفهام تعجيب من فرط جهلهم ونفي مقاربة الفعل أشد من نفيه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏79‏]‏

‏{‏مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ‏(‏79‏)‏‏}‏

‏{‏مَا أَصَابَكَ‏}‏ أيها الإنسان ‏{‏مِنْ حَسَنَةٍ‏}‏ خير ‏{‏فَمِنَ الله‏}‏ أتتك فضلاً منه ‏{‏وَمَا أصابك مِن سَيّئَةٍ‏}‏ بلية ‏{‏فَمِن نَّفْسِكَ‏}‏ أتتك حيث ارتكبت ما يستوجبها من الذنوب ‏{‏وأرسلناك‏}‏ يا محمد ‏{‏لِلنَّاسِ رَسُولاً‏}‏ حال مؤكدة ‏{‏وكفى بالله شَهِيداً‏}‏ على رسالتك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏80‏]‏

‏{‏مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ‏(‏80‏)‏‏}‏

‏{‏مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله وَمَن تولى‏}‏ أعرض عن طاعته فلا يهمنك ‏{‏فَمَا أرسلناك عَلَيْهِمْ حَفِيظاً‏}‏ حافظاً لأعمالهم بل نذيراً وإلينا أمرهم فنجازيهم وهذا قبل الأمر بالقتال‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏81‏]‏

‏{‏وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ‏(‏81‏)‏‏}‏

‏{‏وَيَقُولُونَ‏}‏ أي المنافقون إذا جاؤوك‏:‏ أمرنا ‏{‏طَاعَةٌ‏}‏ لك ‏{‏فَإِذَا بَرَزُواْ‏}‏ خرجوا ‏{‏مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مّنْهُمْ‏}‏ بإدغام التاء في الطاء وتركه أي أضمرت ‏{‏غَيْرَ الذى تَقُولُ‏}‏ لك في حضورك من الطاعة أي عصيانك ‏{‏والله يَكْتُبُ‏}‏ يأمر بكتب ‏{‏مَا يُبَيّتُونَ‏}‏ في صحائفهم ليجازوا عليه ‏{‏فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ‏}‏ بالصفح ‏{‏وَتَوَكَّلْ عَلَى الله‏}‏ ثق به فإنه كافيك ‏{‏وكفى بالله وَكِيلاً‏}‏ مفوّضاً إليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏82‏]‏

‏{‏أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ‏(‏82‏)‏‏}‏

‏{‏أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ‏}‏ يتأملون ‏{‏القرءان‏}‏ وما فيه من المعاني البديعة ‏{‏وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً‏}‏ تناقضاً في معانيه وتبايناً في نظمه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏83‏]‏

‏{‏وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ‏(‏83‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ‏}‏ عن سرايا النبي صلى الله عليه وسلم بما حصل لهم ‏{‏مّنَ الأمن‏}‏ بالنصر ‏{‏أَوِ الخوف‏}‏ بالهزيمة ‏{‏أَذَاعُواْ بِهِ‏}‏ أفشوه، نزل في جماعة من المنافقين أو في ضعفاء المؤمنين يفعلون ذلك فتضعف قلوب المؤمنين ويتأذى النبي صلى الله عليه وسلم ‏{‏وَلَوْ رَدُّوهُ‏}‏ أي الخبر ‏{‏إِلَى الرسول وإلى أُوْلِى الأمر مِنْهُمْ‏}‏ أي ذوي الرأي من أكابر الصحابة أي لو سكتوا عنه حتى يُخْبَروا به ‏{‏لَعَلِمَهُ‏}‏ هل هو مما ينبغي أن يذاع أو لا ‏{‏الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ‏}‏ يتتبعونه ويطلبون علمه وهم المذيعون ‏{‏مِنْهُمْ‏}‏ من الرسول وأولي الأمر ‏{‏وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ‏}‏ بالإسلام ‏{‏وَرَحْمَتُهُ‏}‏ لكم بالقرآن ‏{‏لاَتَّبَعْتُمُ الشيطان‏}‏ فيما يأمركم به من الفواحش ‏{‏إِلاَّ قَلِيلاً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏84‏]‏

‏{‏فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا ‏(‏84‏)‏‏}‏

‏{‏فَقَاتِلْ‏}‏ يا محمد ‏{‏فِى سَبِيلِ الله لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ‏}‏ فلا تهتمّ بتخلفهم عنك، المعنى قاتل ولو وحدك فإنك موعود بالنصر ‏{‏وَحَرّضِ المؤمنين‏}‏ حُثهم على القتال ورغبهم فيه ‏{‏عَسَى الله أَن يَكُفَّ بَأْسَ‏}‏ حرب ‏{‏الذين كَفَرُواْ والله أَشَدُّ بَأْساً‏}‏ منهم ‏{‏وَأَشَدُّ تَنكِيلاً‏}‏ تعذيباً منهم فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «والذي نفسي بيده لأخرجن ولو وحدي» فخرج بسبعين راكباً إلى بدر الصغرى فكف الله بأس الكفار بإلقاء الرعب في قلوبهم ومَنْع أبي سفيان عن الخروج كما تقدم في آل عمران ‏[‏172‏:‏ 3-173‏]‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏85‏]‏

‏{‏مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا ‏(‏85‏)‏‏}‏

‏{‏مَّن يَشْفَعْ‏}‏ بين الناس ‏{‏شفاعة حَسَنَةً‏}‏ موافقة للشرع ‏{‏يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ‏}‏ من الأجر ‏{‏مِنْهَا‏}‏ بسببها ‏{‏وَمَن يَشْفَعْ شفاعة سَيّئَةً‏}‏ مخالفة له ‏{‏يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ‏}‏ نصيب من الوزر ‏{‏مِنْهَا‏}‏ بسببها ‏{‏وَكَانَ الله على كُلّ شَئ مُّقِيتاً‏}‏ مقتدراً فيجازي كل أحد بما عمل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏86‏]‏

‏{‏وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ‏(‏86‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ‏}‏ كأن قيل لكم سلام عليكم ‏{‏فَحَيُّواْ‏}‏ المحيِّي ‏{‏بِأَحْسَنَ مِنْهَا‏}‏ بأن تقول له عليك السلام ورحمة الله وبركاته ‏{‏أَوْ رُدُّوهَا‏}‏ بأن تقولوا له كما قال أي الواجب أحدهما والأول أفضل ‏{‏إِنَّ الله كَانَ على كُلّ شَئ حَسِيباً‏}‏ محاسبا فيجازي عليه ومنه رد السلام، وخصت السنة الكافر والمبتدع والفاسق والمسلِّم على قاضي الحاجة ومن في الحمام والآكل فلا يجب الرد عليهم بل يكره في غير الأخير ويقال للكافر و‏(‏عليك‏)‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏87‏]‏

‏{‏اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ‏(‏87‏)‏‏}‏

‏{‏الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ‏}‏ والله ‏{‏لَيَجْمَعَنَّكُمْ‏}‏ من قبوركم ‏{‏إلى‏}‏ في ‏{‏يَوْمِ القيامة لاَ رَيْبَ‏}‏ لا شك ‏{‏فِيهِ وَمَنْ‏}‏ أي لا أحد ‏{‏أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثاً‏}‏ قولاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏88‏]‏

‏{‏فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ‏(‏88‏)‏‏}‏

ولما رجع ناس من أُحد اختلف الناس فيهم، فقال فريق نقتلهم وقال فريق‏:‏ لا فنزل‏:‏ ‏{‏فَمَا لَكُمْ‏}‏ أي ما شأنكم صرتم ‏{‏فِى المنافقين فِئَتَيْنِ‏}‏ فرقتين‏؟‏ ‏{‏والله أَرْكَسَهُمْ‏}‏ ردهم ‏{‏بِمَا كَسَبُواْ‏}‏ من الكفر والمعاصي ‏{‏أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ‏}‏ ه ‏{‏الله‏}‏ أي تعدّوهم من جملة المهتدين‏؟‏ والاستفهام في الموضعين للإنكار ‏{‏وَمَن يُضْلِلِ‏}‏ ه ‏{‏الله فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً‏}‏ طريقاً إلى الهدى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏89‏]‏

‏{‏وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ‏(‏89‏)‏‏}‏

‏{‏وَدُّواْ‏}‏ تمنوا ‏{‏لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ‏}‏ أنتم وهم ‏{‏سَوَآء‏}‏ في الكفر ‏{‏فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء‏}‏ توالونهم وإن أظهروا الإيمان ‏{‏حتى يُهَاجِرُواْ فِى سَبِيلِ الله‏}‏ هجرة صحيحة تحقق إيمانهم ‏{‏فَإِن تَوَلَّوْاْ‏}‏ وأقاموا على ما هم عليه ‏{‏فَخُذُوهُمْ‏}‏ بالأسر ‏{‏واقتلوهم حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً‏}‏ توالونه ‏{‏وَلاَ نَصِيراً‏}‏ تنتصرون به على عدوّكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏90‏]‏

‏{‏إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا ‏(‏90‏)‏‏}‏

‏{‏إِلاَّ الذين يَصِلُونَ‏}‏ يلجئوون ‏{‏إلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ ميثاق‏}‏ عهد بالأمان لهم ولمن وصل إليهم كما عاهد النبي صلى الله عليه وسلم هلال بن عويمر الأسلمي ‏{‏أَوْ‏}‏ الذين ‏{‏جَاءُوكُمْ‏}‏ وقد ‏{‏حَصِرَتْ‏}‏ ضاقت ‏{‏صُدُورُهُمْ‏}‏ عن ‏{‏أَن يقاتلوكم‏}‏ مع قومهم ‏{‏أَوْ يقاتلوا قَوْمَهُمْ‏}‏ معكم أي ممسكين عن قتالكم وقتالهم فلا تتعرّضوا إليهم بأخذ ولا قتل وهذا وما بعده منسوخ بآية السيف ‏[‏5‏:‏ 9‏]‏ ‏{‏وَلَوْ شَاء الله‏}‏ تسليطهم عليكم ‏{‏لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ‏}‏ بأن يقوّي قلوبهم ‏{‏فلقاتلوكم‏}‏ ولكنه لم يشأ فألقى في قلوبهم الرعب ‏{‏فَإِنِ اعتزلوكم فَلَمْ يقاتلوكم وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السلم‏}‏ الصلح أي انقادوا ‏{‏فَمَا جَعَلَ الله لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً‏}‏ طريقاً بالأخذ والقتل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏91‏]‏

‏{‏سَتَجِدُونَ آَخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا ‏(‏91‏)‏‏}‏

‏{‏سَتَجِدُونَ ءاخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ‏}‏ بإظهار الإيمان عندكم ‏{‏وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ‏}‏ بالكفر إذا رجعوا إليهم وهم أسد وغطفان ‏{‏كُلَّ مَا رُدُّواْ إِلَى الفتنة‏}‏ دعوا إلى الشرك ‏{‏أُرْكِسُواْ فِيِهَا‏}‏ وقعوا أشدّ وقوع ‏{‏فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ‏}‏ بترك قتالكم ‏{‏وَ‏}‏ لم ‏{‏يُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السلم‏}‏ لم ‏{‏يكفُّواْ أَيْدِيهِمْ‏}‏ عنكم ‏{‏فَخُذُوهُمْ‏}‏ بالأسر ‏{‏واقتلوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ‏}‏ وجدتموهم ‏{‏وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سلطانا مُّبِيناً‏}‏ برهانا بينا ظاهرا على قتلهم وسبيهم لغدرهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏92‏]‏

‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ‏(‏92‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً‏}‏ أي ما ينبغي أن يصدر منه قتل له ‏{‏إِلاَّ خَطئاً‏}‏ مخطئاً في قتله من غير قصد ‏{‏وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً‏}‏ بأن قصد رمي غيره كصيد أو شجرة فأصابه أو ضربه بما لا يقتل غالباً ‏{‏فَتَحْرِيرُ‏}‏ عتق ‏{‏رَقَبَةٍ‏}‏ نسمة ‏{‏مُؤْمِنَةٍ‏}‏ عليه ‏{‏وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ‏}‏ مؤدّاة ‏{‏إلى أَهْلِهِ‏}‏ أي ورثة المقتول ‏{‏إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ‏}‏ يتصدّقوا عليه بها بأن يعفوا عنها وبينت السنة أنها مائة من الإبل عشرون بنت مخاض وكذا بنات لبون وبنون لبون، وحقاق وجذاع وأنها على عاقلة القاتل، وهم عصبته في الأصل والفرع موزعة عليهم على ثلاث سنين على الغني منهم نصف دينار والمتوسط ربعٌ كل سنة فإن لم يفوا فمن بيت المال فإن تعذر فعلى الجاني ‏{‏فَإن كَانَ‏}‏ المقتول ‏{‏مِن قَوْمٍ عَدُوّ‏}‏ حرب ‏{‏لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ‏}‏ على قاتله كفارة ولا دية تسلم إلى أهله لحرابتهم ‏{‏وَإِن كَانَ‏}‏ المقتول ‏{‏مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مّيثَاقٌ‏}‏ عهد كأهل الذمّة ‏{‏فِدْيَةٌ‏}‏ له ‏{‏مُّسَلَّمَةٌ إلى أَهْلِهِ‏}‏ وهي ثلث دية المؤمن إن كان يهودياً أو نصرانياً، وثلثا عشرها إن كان مجوسياً ‏{‏وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً‏}‏ على قاتله ‏{‏فَمَن لَّمْ يَجِدْ‏}‏ الرقبة بأن فقدها وما يحصلها به ‏{‏فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ‏}‏ عليه كفارة ولم يذكر الله تعالى الانتقال إلى الطعام كالظهار وبه أخذ الشافعي في أصح قوليه ‏{‏تَوْبَةً مّنَ الله‏}‏ مصدر منصوب بفعله المقدر ‏{‏وَكَانَ الله عَلِيماً‏}‏ بخلقه ‏{‏حَكِيماً‏}‏ فيما دبره لهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏93‏]‏

‏{‏وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ‏(‏93‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً‏}‏ بأن يقصد قتله بما يقتل غالباً عالماً بإيمانه ‏{‏فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ‏}‏ أبعده من رحمته ‏{‏وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً‏}‏ في النار وهذا مُؤَوَّل بمن يستحله أو بأنّ هذا جزاؤه إن جُوزي ولا بِدْعَ في خُلْف الوعيد لقوله‏:‏ ‏{‏وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ‏}‏ ‏[‏48‏:‏ 4‏]‏ وعن ابن عباس أنها على ظاهرها وأنها ناسخة لغيرها من آيات المغفرة وبينت آية البقرة ‏[‏178‏:‏ 2‏]‏ أنّ قاتل العمد يقتل به وأنّ عليه الدية إن عفي عنه وسبق قدرها وبينت السنة أنّ بين العمد والخطأ قتلاً يسمى شبه العمد وهو أن يقتله بما لا يقتل غالباً فلا قصاص فيه بل دية كالعمد في الصفة والخطأ في التأجيل والحمل وهو والعمد أولى بالكفارة من الخطأ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏94‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ‏(‏94‏)‏‏}‏

ونزل لما مر نفر من الصحابة برجل من بني سليم وهو يسوق غنما فسلم عليهم فقالوا ما سلم علينا إلا تقية فقتلوه واستاقوا غنمه ‏{‏ياأيها الذين ءَامَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ‏}‏ سافرتم للجهاد ‏{‏فِى سَبِيلِ الله فَتَبَيَّنُواْ‏}‏ وفي قراءة ‏(‏فتثبتوا‏)‏ بالمثلثة في الموضعَين ‏{‏وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ ألقى إِلَيْكُمُ السلام‏}‏ بألف أو دونها أي التحية أو الانقياد بقوله كلمة الشهادة التي هي إمارة على الإسلام ‏{‏لَسْتَ مُؤْمِناً‏}‏ وإنما قلت هذا تقية لنفسك ومالك فتقتلوه ‏{‏تَبْتَغُونَ‏}‏ تطلبون بذلك ‏{‏عَرَضَ الحياة الدنيا‏}‏ متاعها من الغنيمة ‏{‏فَعِنْدَ الله مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ‏}‏ تغنيكم عن قتل مثله لماله ‏{‏كذلك كُنتُمْ مِّن قَبْلُ‏}‏ تعصم دماؤكم وأموالكم بمجرّد قولكم الشهادة ‏{‏فَمَنَّ الله عَلَيْكُمْ‏}‏ بالاشتهار بالإيمان والاستقامة ‏{‏فَتَبَيَّنُواْ‏}‏ أن تقتلوا مؤمناً وافعلوا بالداخل في الإسلام كما فُعل بكم ‏{‏إِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً‏}‏ فيجازيكم به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏95‏]‏

‏{‏لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ‏(‏95‏)‏‏}‏

‏{‏لاَّ يَسْتَوِى القاعدون مِنَ المؤمنين‏}‏ على الجهاد ‏{‏غَيْرُ أُوْلِى الضرر‏}‏ بالرفع صفة، والنصب استثناء من زمانة أو عمى أو نحوه ‏{‏والمجاهدون فِى سَبِيلِ الله بأموالهم وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ الله المجاهدين بأموالهم وَأَنفُسِهِمْ عَلَى القاعدين‏}‏ لضرر ‏{‏دَرَجَةً‏}‏ فضيلة لاستوائهما في النية وزيادة المجاهدين بالمباشرة ‏{‏وَكُلاًّ‏}‏ من الفريقين ‏{‏وَعَدَ الله الحسنى‏}‏ الجنة ‏{‏وَفَضَّلَ الله المجاهدين عَلَى القاعدين‏}‏ لغير ضرر ‏{‏أَجْراً عَظِيماً‏}‏ ويبدل منه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏96‏]‏

‏{‏دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ‏(‏96‏)‏‏}‏

‏{‏درجات مِّنْهُ‏}‏ منازل بعضها فوق بعض من الكرامة ‏{‏وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً‏}‏ منصوبان بفعلهما المقدّر ‏{‏وَكَانَ الله غَفُوراً‏}‏ لأوليائه ‏{‏رَّحِيماً‏}‏ بأهل طاعته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏97‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ‏(‏97‏)‏‏}‏

ونزل في جماعة أسلموا ولم يهاجروا فقتلوا يوم بدر مع الكفار ‏{‏إِنَّ الذين توفاهم الملائكة ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ‏}‏ بالمقام مع الكفار وترك الهجرة ‏{‏قَالُواْ‏}‏ لهم موبخين ‏{‏فِيمَ كُنتُمْ‏}‏ أي في أي شيء كنتم في أمر دينكم‏؟‏ ‏{‏قَالُواْ‏}‏ معتذرين ‏{‏كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ‏}‏ عاجزين عن إقامة الدين ‏{‏فِى الأرض‏}‏ أرض مكة ‏{‏قَالُواْ‏}‏ لهم توبيخاً ‏{‏أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله واسعة فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا‏}‏ من أرض الكفر إلى بلد آخر كما فعل غيركم‏؟‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فأولئك مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسآءَتْ مَصِيراً‏}‏ هي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏98‏]‏

‏{‏إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ‏(‏98‏)‏‏}‏

‏{‏إِلاَّ المستضعفين مِنَ الرجال والنسآء والولدان‏}‏ الذين ‏{‏لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً‏}‏ لا قوّة لهم على الهجرة ولا نفقة ‏{‏وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً‏}‏ طريقاً إلى أرض الهجرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏99‏]‏

‏{‏فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ‏(‏99‏)‏‏}‏

‏{‏فأولئك عَسَى الله أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ الله عَفُوّاً غَفُوراً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏100‏]‏

‏{‏وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ‏(‏100‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَن يُهَاجِرْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِى الأرض مُرَاغَماً‏}‏ مهاجراً ‏{‏كَثِيراً وَسَعَةً‏}‏ في الرزق ‏{‏وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى الله وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الموت‏}‏ في الطريق كما وقع لجُنْدَع بن ضمرة الليثي ‏{‏فَقَدْ وَقَعَ‏}‏ ثبت ‏{‏أَجْرُهُ عَلىَ الله وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏101‏]‏

‏{‏وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا ‏(‏101‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا ضَرَبْتُمْ‏}‏ سافرتم ‏{‏فِى الأرض فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ‏}‏ في ‏{‏أن تَقْصُرُوا مِنَ الصلاوة‏}‏ بأن تردّوها من أربع إلى اثنتين ‏{‏إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ‏}‏ أي ينالكم بمكروه ‏{‏الذين كَفَرُواْ‏}‏ بيان للواقع إذ ذاك فلا مفهوم له وبينت السنة أنّ المراد بالسفر الطويل، وهو أربعة بُرْدٍ وهي مرحلتان ويؤخذ من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ‏}‏ أنه رخصة لا واجب، وعليه الشافعي ‏{‏إِنَّ الكافرين كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً‏}‏ بيِّن العداوة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏102‏]‏

‏{‏وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ‏(‏102‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا كُنتَ‏}‏ يا محمد حاضراً ‏{‏فِيهِمْ‏}‏ وأنتم تخافون العدوّ ‏{‏فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصلاوة‏}‏ وهذا جري على عادة القرآن في الخطاب فلا مفهوم له ‏{‏فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مّنْهُمْ مَّعَكَ‏}‏ وتتأخر طائفة ‏{‏وَلْيَأْخُذُواْ‏}‏ أي الطائفة التي قامت معك ‏{‏أَسْلِحَتَهُمْ‏}‏ معهم ‏{‏فَإِذَا سَجَدُواْ‏}‏ أي صلّوا ‏{‏فَلْيَكُونُواْ‏}‏ أي الطائفة الأخرى ‏{‏مِن وَرَائِكُمْ‏}‏ يحرسون إلى أن تقضوا الصلاة وتذهب هذه الطائفة تحرس ‏{‏وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أخرى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ‏}‏ معهم إلى أن تقضوا الصلاة وقد فعل صلى الله عليه وسلم كذلك ببطن نخل رواه الشيخان ‏{‏وَدَّ الذين كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ‏}‏ إذا قمتم إلى الصلاة ‏{‏عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً واحدة‏}‏ بأن يحملوا عليكم فيأخذوكم وهذا علّة الأمر بأخذِ السلاح ‏{‏وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ‏}‏ فلا تحملوها وهذا يفيد إيجاب حملها عند عدم العذر وهو أحد قولين للشافعي والثاني أنه سنة ورُجِّح ‏{‏وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ‏}‏ من العدوّ أي احترزوا منه ما استطعتم ‏{‏إِنَّ الله أَعَدَّ للكافرين عَذَاباً مُّهِيناً‏}‏ ذا إهانة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏103‏]‏

‏{‏فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ‏(‏103‏)‏‏}‏

‏{‏فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة‏}‏ فرغتم منها ‏{‏فاذكروا الله‏}‏ بالتهليل والتسبيح ‏{‏قياما وَقُعُوداً وعلى جُنُوبِكُمْ‏}‏ مضطجعين أي في كل حال ‏{‏فَإِذَا اطمأننتم‏}‏ أَمنتم ‏{‏فَأَقِيمُواْ الصلاوة‏}‏ أدُّوها بحقوقها ‏{‏أنالصلاة كَانَتْ عَلَى المؤمنين كتابا‏}‏ مكتوباً أي مفروضاً ‏{‏مَّوْقُوتاً‏}‏ أي مقدّراً وقتها فلا تؤخر عنه‏.‏ لما رجعوا من أحد فشكوا الجراحات‏:‏

تفسير الآية رقم ‏[‏104‏]‏

‏{‏وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ‏(‏104‏)‏‏}‏

ونزل لما بعث صلى الله عليه وسلم طائفة في طلب أبي سفيان وأَصحابه لما رجع من أحد فشكوا الجراحات‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَهِنُواْ‏}‏ تضعفوا ‏{‏فِى ابتغآء‏}‏ طلب ‏{‏القوم‏}‏ الكفار لتقاتلوهم ‏{‏إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ‏}‏ تجدون ألم الجراح ‏{‏فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ‏}‏ أي مثلكم ولا يجبنون عن قتالكم ‏{‏وَتَرْجُونَ‏}‏ أنتم ‏{‏مِّنَ الله‏}‏ من النصر والثواب عليه ‏{‏مَا لاَ يَرْجُونَ‏}‏ هم فأنتم تزيدون عليهم بذلك فينبغي أن تكونوا أرغب منهم فيه ‏{‏وَكَانَ الله عَلِيماً‏}‏ بكل شيء ‏{‏حَكِيماً‏}‏ في صنعه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏105‏]‏

‏{‏إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ‏(‏105‏)‏‏}‏

وسرق طعمة بن أبيرق درعاً وخبأها عند يهودي فوجدت عنده فرماه طعمة بها وحلف أنه ما سرقها، فسأل قومه النبي صلى الله عليه وسلم أن يجادل عنه ويبرئه فنزل ‏{‏إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الكتاب‏}‏ القرآن ‏{‏بالحق‏}‏ متعلق ب ‏(‏أنزل‏)‏ ‏{‏لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بِمَا أَرَاكَ‏}‏ أعلمك ‏{‏الله‏}‏ فيه ‏{‏وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَائِنِينَ‏}‏ كطعمة ‏{‏خَصِيماً‏}‏ مخاصماً عنهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏106‏]‏

‏{‏وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ‏(‏106‏)‏‏}‏

‏{‏واستغفر الله‏}‏ مما هممت به ‏{‏إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏107‏]‏

‏{‏وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ‏(‏107‏)‏‏}‏

‏{‏وَلاَ تجادل عَنِ الذين يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ‏}‏ يخونونها بالمعاصي لأن وبال خيانتهم عليهم ‏{‏إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً‏}‏ كثير الخيانة ‏{‏أَثِيماً‏}‏ أي يعاقبه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏108‏]‏

‏{‏يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ‏(‏108‏)‏‏}‏

‏{‏يَسْتَخْفُونَ‏}‏ أي طعمة وقومه حياء ‏{‏مِنَ الناس وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ الله وَهُوَ مَعَهُمْ‏}‏ بعلمه ‏{‏إِذْ يُبَيِّتُونَ‏}‏ يضمرون ‏{‏مَا لاَ يرضى مِنَ القول‏}‏ من عزمهم على الحلف على نفي السرقة ورمي اليهودي بها ‏{‏وَكَانَ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً‏}‏ علماً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏109‏]‏

‏{‏هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا ‏(‏109‏)‏‏}‏

‏{‏هاأنتم‏}‏ يا ‏{‏هَؤُلاء‏}‏ خطاب لقوم طعمة ‏{‏جادلتم‏}‏ خاصمتم ‏{‏عَنْهُمْ‏}‏ أي عن طعمة وذويه وقرئ ‏(‏عنه‏)‏ ‏{‏فِى الحياة الدنيا فَمَن يجادل اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ القيامة‏}‏ إذا عذبهم ‏{‏أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً‏}‏ يتولى أمرهم ويذب عنهم‏؟‏ أي لا أحد يفعل ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏110‏]‏

‏{‏وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ‏(‏110‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً‏}‏ ذنباً يسوء به غيره كرمي ‏(‏طُعْمَة‏)‏ اليهودي ‏{‏أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ‏}‏ يعمل ذنباً قاصراً عليه ‏{‏ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله‏}‏ منه أي يتب ‏{‏يَجِدِ الله غَفُوراً‏}‏ له ‏{‏رَّحِيماً‏}‏ به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏111‏]‏

‏{‏وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ‏(‏111‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً‏}‏ ذنباً ‏{‏فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ على نَفْسِهِ‏}‏ لأن وباله عليها ولا يضر غيره ‏{‏وَكَانَ الله عَلِيماً حَكِيماً‏}‏ في صنعه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏112‏]‏

‏{‏وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ‏(‏112‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً‏}‏ ذنباً صغيراً ‏{‏أَوْ إِثْماً‏}‏ ذنباً كبيراً ‏{‏ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً‏}‏ منه ‏{‏فَقَدِ احتمل‏}‏ تحمل ‏{‏بهتانا‏}‏ برميه ‏{‏وَإِثْماً مُّبِيناً‏}‏ بيِّناً يكسبه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏113‏]‏

‏{‏وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ‏(‏113‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ‏}‏ يا محمد ‏{‏وَرَحْمَتُهُ‏}‏ بالعصمة ‏{‏لَهَمَّتْ‏}‏ أضمرت ‏{‏طّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ‏}‏ من قوم طعمة ‏{‏أَن يُضِلُّوكَ‏}‏ عن القضاء بالحق بتلبيسهم عليك ‏{‏وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن‏}‏ زائدة ‏{‏شَئ‏}‏ لأن وبال إضلالهم عليهم ‏{‏وَأَنزَلَ الله عَلَيْكَ الكتاب‏}‏ القرآن ‏{‏والحكمة‏}‏ ما فيه من الأحكام ‏{‏وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ‏}‏ من الأحكام والغيب ‏{‏وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ‏}‏ بذلك وغيره ‏{‏عَظِيماً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏114‏]‏

‏{‏لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ‏(‏114‏)‏‏}‏

‏{‏لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ‏}‏ أي الناس أي ما يتناجون فيه ويتحدثون ‏{‏إِلا‏}‏ نجوى ‏{‏مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ‏}‏ عمل بر ‏{‏أَوْ إصلاح بَيْنَ الناس وَمَن يَفْعَلْ ذلك‏}‏ المذكور ‏{‏ابتغآء‏}‏ طلب ‏{‏مَرْضَاتِ الله‏}‏ لا غيره من أمور الدنيا ‏{‏فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ‏}‏ بالنون والياء أي الله ‏{‏أَجْراً عَظِيماً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏115‏]‏

‏{‏وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ‏(‏115‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَن يُشَاقِقِ‏}‏ يخالف ‏{‏الرسول‏}‏ فيما جاء به من الحق ‏{‏مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهدى‏}‏ ظهر له الحق بالمعجزات ‏{‏وَيَتَّبِعْ‏}‏ طريقاً ‏{‏غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين‏}‏ أي طريقهم الذي هم عليه من الدين بأن يكفر ‏{‏نُوَلِّهِ مَا تولى‏}‏ نجعله والياً لما تولاه من الضلال بأن نخلي بينه وبينه في الدنيا ‏{‏وَنُصْلِهِ‏}‏ ندخله في الآخرة ‏{‏جَهَنَّمَ‏}‏ فيحترق فيها ‏{‏وَسَآءَتْ مَصِيراً‏}‏ مرجعاً هي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏116‏]‏

‏{‏إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ‏(‏116‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بالله فَقَدْ ضَلَّ ضلالا بعيداً‏}‏ عن الحق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏117‏]‏

‏{‏إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا ‏(‏117‏)‏‏}‏

‏{‏ءانٍ‏}‏ ما ‏{‏يَدْعُونَ‏}‏ يعبد المشركون ‏{‏مِن دُونِهِ‏}‏ أي الله أي غيره ‏{‏إِلاَّ إناثا‏}‏ أصناماً مؤنثة كاللات والعزى ومناة ‏{‏وَإِنْ‏}‏ ما ‏{‏يَدْعُونَ‏}‏ يعبدون بعبادتها ‏{‏إِلاَّ شيطانا مَّرِيداً‏}‏ خارجاً عن الطاعة لطاعتهم له فيها وهو إبليس‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏118‏]‏

‏{‏لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ‏(‏118‏)‏‏}‏

‏{‏لَّعَنَهُ الله‏}‏ أبعده عن رحمته ‏{‏وَقَالَ‏}‏ أي الشيطان ‏{‏لأَتَّخِذَنَّ‏}‏ لأجعلن لي ‏{‏مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً‏}‏ حظاً ‏{‏مَّفْرُوضاً‏}‏ مقطوعا أدعوهم إلى طاعتي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏119‏]‏

‏{‏وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا ‏(‏119‏)‏‏}‏

‏{‏وَلأُضِلَّنَّهُمْ‏}‏ عن الحق بالوسوسة ‏{‏وَلأُمَنّيَنَّهُمْ‏}‏ ألقي في قلوبهم طول الحياة وأن لا بعث ولا حساب ‏{‏وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتّكُنَّ‏}‏ يقطعن ‏{‏ءَاذَانَ الأنعام‏}‏ وقد فُعِلَ ذلك بالبحائر ‏{‏وَلاَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيّرُنَّ خَلْقَ الله‏}‏ دينه بالكفر وإحلال ما حرم وتحريم ما أحلّ ‏{‏وَمَن يَتَّخِذِ الشيطان وَلِيّاً‏}‏ يتولاه ويطيعه ‏{‏مِن دُونِ الله‏}‏ أي غيره ‏{‏فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً‏}‏ بينا لمصيره إلى النار المؤبدة عليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏120‏]‏

‏{‏يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ‏(‏120‏)‏‏}‏

‏{‏يَعِدُهُمْ‏}‏ طول العمر ‏{‏وَيُمَنّيهِمْ‏}‏ نيل الآمال في الدنيا وأن لا بعث ولا جزاء ‏{‏وَمَا يَعِدُهُمْ الشيطان‏}‏ بذلك ‏{‏إِلاَّ غُرُوراً‏}‏ باطلاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏121‏]‏

‏{‏أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا ‏(‏121‏)‏‏}‏

‏{‏أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً‏}‏ معدلاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏122‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ‏(‏122‏)‏‏}‏

‏{‏والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات سَنُدْخِلُهُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا أَبَداً وَعْدَ الله حَقّاً‏}‏ أي وعدهم الله ذلك وحقه حقاً ‏{‏وَمنْ‏}‏ أي لا أحد ‏{‏أَصْدَقُ مِنَ الله قِيلاً‏}‏ أي قولاً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏123‏]‏

‏{‏لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ‏(‏123‏)‏‏}‏

ونزل لما افتخر المسلمون وأهل الكتاب ‏{‏لَّيْسَ‏}‏ الأمر منوطاً ‏{‏بأمانيكم وَلا أَمَانِىّ أَهْلِ الكتاب‏}‏ بل بالعمل الصالح ‏{‏مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ‏}‏ إما في الآخرة أو في الدنيا بالبلاء والمحن كما ورد في الحديث ‏{‏وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ الله‏}‏ أي غيره ‏{‏وَلِيّاً‏}‏ يحفظه ‏{‏وَلاَ نَصِيراً‏}‏ يمنعه منه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏124‏]‏

‏{‏وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ‏(‏124‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَن يَعْمَلْ‏}‏ شيئاً ‏{‏مِنَ الصالحات مِن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ‏}‏ بالبناء للمفعول والفاعل ‏[‏يَدخُلون‏]‏ ‏{‏الجنة وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً‏}‏ قدر نقرة النواة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏125‏]‏

‏{‏وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ‏(‏125‏)‏‏}‏

‏{‏وَمنْ‏}‏ أي لا أحد ‏{‏أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ‏}‏ أي انقاد وأخلص عمله ‏{‏لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ‏}‏ موحد ‏{‏واتَّبَعَ مِلَّةَ إبراهيم‏}‏ الموافقة لملة الإسلام ‏{‏حَنِيفاً‏}‏ حال أي مائلاً عن الأديان كلها إلى الدين القيم ‏{‏واتخذ الله إبراهيم خَلِيلاً‏}‏ صفيا خالص المحبة له‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏126‏]‏

‏{‏وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا ‏(‏126‏)‏‏}‏

‏{‏وَللَّهِ مَا فِى السموات وَمَا فِي الأرض‏}‏ ملكاً وخلقاً وعبيداً ‏{‏وَكَانَ الله بِكُلّ شَئ مُّحِيطاً‏}‏ علماً وقدرة أي لم يزل متصفاً بذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏127‏]‏

‏{‏وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا ‏(‏127‏)‏‏}‏

‏{‏وَيَسْتَفْتُونَكَ‏}‏ يطلبون منك الفتوى ‏{‏فِى‏}‏ شأن ‏{‏النساء‏}‏ وميراثهن ‏{‏قُلْ‏}‏ لهم ‏{‏الله يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يتلى عَلَيْكُمْ فِى الكتاب‏}‏ القرآن من آية الميراث ويفتيكم أيضا ‏{‏فِى يتامى النساء الاتى لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ‏}‏ فرض ‏{‏لَهُنَّ‏}‏ من الميراث ‏{‏وَتَرْغَبُونَ‏}‏ أيها الأولياء عن ‏{‏أَن تَنكِحُوهُنَّ‏}‏ لدمامتهن وتعضلوهن أن يتزوجن طمعاً في ميراثهن أي يفتيكم أن لا تفعلوا ذلك ‏{‏وَ‏}‏ في ‏{‏المستضعفين‏}‏ الصغار ‏{‏مِنَ الولدان‏}‏ أن تعطوهم حقوقهم ‏{‏وَ‏}‏ يأمركم ‏{‏أَن تَقُومُواْ لليتامى بالقسط‏}‏ بالعدل في الميراث والمهر ‏{‏وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله كَانَ بِهِ عَلِيماً‏}‏ فيجازيكم به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏128‏]‏

‏{‏وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ‏(‏128‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِنِ امرأة‏}‏ مرفوع بفعل يفسره ‏{‏خَافَتْ‏}‏ توقعت ‏{‏مِن بَعْلِهَا‏}‏ زوجها ‏{‏نُشُوزاً‏}‏ ترفعا عليها بترك مضاجعتها والتقصير في نفقتها لبغضها وطموح عينه إلى أجمل منها ‏{‏أَوْ إِعْرَاضاً‏}‏ عنها بوجهه ‏{‏فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصّالحا‏}‏ فيه إدغام التاء في الأصل في الصاد، وفي قراءة ‏(‏يُصلحا‏)‏ من ‏(‏أصلح‏)‏ ‏{‏يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً‏}‏ في القسم والنفقة بأن تترك له شيئاً طلباً لبقاء الصحبة فإن رضيت بذلك وإلا فعلى الزوج أن يوفيها حقها أو يفارقها ‏{‏والصلح خَيْرٌ‏}‏ من الفرقة والنشوز والإعراض، قال تعالىللهُ في بيان ما جبل عليه الإنسان ‏{‏وَأُحْضِرَتِ الأنفس الشح‏}‏ شدّة البخل أي جبلت عليه فكأنها حاضرته لا تغيب عنه، المعنى أن المرأة لا تكاد تسمح بنصيبها من زوجها والرجل لا يكاد يسمح عليها بنفسه إذا أحب غيرها ‏{‏وَإِن تُحْسِنُواْ‏}‏ عشرة النساء ‏{‏وَتَتَّقُواْ‏}‏ الجور عليهن ‏{‏فَإِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً‏}‏ فيجازيكم به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏129‏]‏

‏{‏وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ‏(‏129‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ‏}‏ تُسَوُّوا ‏{‏بَيْنَ النساء‏}‏ في المحبة ‏{‏وَلَوْ حَرَصْتُمْ‏}‏ على ذلك ‏{‏فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الميل‏}‏ إلى التي تحبونها في القسم والنفقة ‏{‏فَتَذَرُوهَا‏}‏ أي تتركوا المُمَال عنها ‏{‏كالمعلقة‏}‏ التي لا هي أَيّمٌ ولا ذات بعل ‏{‏وَإِن تُصْلِحُواْ‏}‏ بالعدل بالقسم ‏{‏وَتَتَّقُواْ‏}‏ الجور ‏{‏فَإِنَّ الله كَانَ غَفُوراً‏}‏ لما في قلبكم من الميل ‏{‏رَّحِيماً‏}‏ بكم في ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏130‏]‏

‏{‏وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ‏(‏130‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِن يَتَفَرَّقَا‏}‏ أي الزوجان بالطلاق ‏{‏يُغْنِ الله كُلاًّ‏}‏ عن صاحبه ‏{‏مّن سَعَتِهِ‏}‏ أي فضله بأن يرزقها زوجاً غيره ويرزقه غيرها ‏{‏وَكَانَ الله واسعا‏}‏ لخلقه في الفضل ‏{‏حَكِيماً‏}‏ فيما دبره لهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏131‏]‏

‏{‏وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا ‏(‏131‏)‏‏}‏

‏{‏وَللَّهِ مَا فِى السموات وَمَا فِي الأرض وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الذين أُوتُواْ الكتاب‏}‏ بمعنى الكتب ‏{‏مِن قَبْلِكُمْ‏}‏ أي اليهود والنصارى ‏{‏وإياكم‏}‏ يا أهل القرآن ‏{‏أن‏}‏ أي بأن ‏{‏اتقوا الله‏}‏ خافوا عقابه بأن تطيعوه ‏{‏وَ‏}‏ قلنا لهم ولكم ‏{‏مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ‏}‏ بما وُصّيتم به ‏{‏فَإِنَّ للَّهِ مَا فِى السموات وَمَا فِي الأرض‏}‏ خلقاً وملكاً وعبيداً فلا يضره كفركم ‏{‏وَكَانَ الله غَنِيّاً‏}‏ عن خلقه وعبادتهم ‏{‏حَمِيداً‏}‏ محموداً في صنعه بهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏132‏]‏

‏{‏وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ‏(‏132‏)‏‏}‏

‏{‏وَللَّهِ مَا فِى السموات وَمَا فِي الأرض‏}‏ كرّره تأكيداً لتقرير موجب التقوى ‏{‏وكفى بالله وَكِيلاً‏}‏ شهيداً بأنّ ما فيهما له‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏133‏]‏

‏{‏إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآَخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا ‏(‏133‏)‏‏}‏

‏{‏إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ‏}‏ يا ‏{‏أَيُّهَا الناس وَيَأْتِ بِئَاخَرِينَ‏}‏ بدلكم ‏{‏وَكَانَ الله على ذلك قَدِيراً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏134‏]‏

‏{‏مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ‏(‏134‏)‏‏}‏

‏{‏مَن كَانَ يُرِيدُ‏}‏ بعمله ‏{‏ثَوَابَ الدنيا فَعِندَ الله ثَوَابُ الدنيا والأخرة‏}‏ لمن أراده لا عند غيره فلم يطلب أحدهم الأخس وهلا طلب الأعلى بإخلاص له حيث كان مطلبه لا يوجد إلا عنده‏؟‏‏!‏ ‏{‏وَكَانَ الله سَمِيعاً بَصِيراً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏135‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ‏(‏135‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ‏}‏ قائمين ‏{‏بالقسط‏}‏ بالعدل ‏{‏شُهَدَآء‏}‏ بالحق ‏{‏لِلَّهِ وَلَوْ‏}‏ كانت الشهادة ‏{‏على أَنفُسِكُمْ‏}‏ فاشهدوا عليها بأن تقرّوا بالحق ولا تكتموه ‏{‏أَوِ‏}‏ على ‏{‏الوالدين والأقربين إِن يَكُنْ‏}‏ المشهود عليه ‏{‏غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فالله أولى بِهِمَا‏}‏ منكم وأعلم بمصالحهما ‏{‏فَلاَ تَتَّبِعُواْ الهوى‏}‏ في شهادتكم بأن تحابوا الغني لرضاه أو الفقير رحمة له ل ‏{‏أن‏}‏ لا ‏{‏تَعْدِلُواْ‏}‏ تميلوا عن الحق ‏{‏وَإِنْ تَلْوواْ‏}‏ تحرفوا الشهادة، وفي قراءة ‏(‏تلوا‏)‏ بحذف الواو الأولى تخفيفا ‏{‏تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ‏}‏ عن أدائها ‏{‏فَإِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً‏}‏ فيجازيكم به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏136‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ‏(‏136‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءَامَنُواْ ءَامِنُواْ‏}‏ داوموا على الإيمان ‏{‏بالله وَرَسُولِهِ والكتاب الذى نَزَّلَ على رَسُولِهِ‏}‏ محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن ‏{‏والكتاب الذى أَنَزَلَ مِن قَبْلُ‏}‏ على الرسل بمعنى ‏(‏الكتب‏)‏ وفي قراءة بالبناء للفاعل في الفعلين ‏[‏نزّل أنزل‏]‏ ‏{‏وَمَن يَكْفُرْ بالله وملائكته وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ واليوم الأخر فَقَدْ ضَلَّ ضلالا بَعِيداً‏}‏ عن الحدق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏137‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا ‏(‏137‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الذين ءَامَنُواْ‏}‏ بموسى وهم اليهود ‏{‏ثُمَّ ءَامَنُواْ‏}‏ بعبادة العجل ‏{‏ثُمَّ كَفَرُواْ‏}‏ بعده ‏{‏ثُمَّ كَفَرُواْ‏}‏ بعيسى ‏{‏ثُمَّ ازدادوا كُفْراً‏}‏ بمحمد ‏{‏لَّمْ يَكُنِ الله لِيَغْفِرَ لَهُمْ‏}‏ ما أقاموا عليه ‏{‏وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً‏}‏ طريقاً إلى الحق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏138‏]‏

‏{‏بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ‏(‏138‏)‏‏}‏

‏{‏بُشِّرِ‏}‏ أخبر يا محمد ‏{‏المنافقين بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً‏}‏ مؤلماً هو عذاب النار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏139‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ‏(‏139‏)‏‏}‏

‏{‏الذين‏}‏ بدل أو نعت للمنافقين ‏{‏يَتَّخِذُونَ الكافرين أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ المؤمنين‏}‏ لما يتوهمون فيهم من القوّة ‏{‏أَيَبْتَغُونَ‏}‏ يطلبون ‏{‏عِندَهُمُ العزة‏}‏ استفهام إنكاري، أي لا يجدونها عندهم ‏{‏فَإِنَّ العزة لِلَّهِ جَمِيعاً‏}‏ في الدنيا والآخرة ولا ينالها إلا أولياؤه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏140‏]‏

‏{‏وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ‏(‏140‏)‏‏}‏

‏{‏وَقَدْ نَزَّلَ‏}‏ بالبناء للفاعل والمفعول ‏[‏نُزّل‏]‏ ‏{‏عَلَيْكُمْ فِى الكتاب‏}‏ القرآن في سورة ‏(‏الأنعام‏)‏ ‏[‏68‏:‏ 6‏]‏ ‏{‏أَن‏}‏ مخففة واسمها محذوف، أي أنه ‏{‏إذا سَمِعْتُمْ ءايات اللهِ‏}‏ القرآن ‏{‏يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ‏}‏ أي الكافرين والمستهزئين ‏{‏حتى يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً‏}‏ إن قعدتم معهم ‏{‏مِّثْلُهُمْ‏}‏ في الإِثم ‏{‏إِنَّ الله جَامِعُ المنافقين والكافرين فِى جَهَنَّمَ جَمِيعاً‏}‏ كما اجتمعوا في الدنيا على الكفر والاستهزاء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏141‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ‏(‏141‏)‏‏}‏

‏{‏الذين‏}‏ بدل من الذين ‏(‏الذين‏)‏ قبله ‏{‏يَتَرَبَّصُونَ‏}‏ ينتظرون ‏{‏بِكُمْ‏}‏ الدوائر ‏{‏فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ‏}‏ ظفر وغنيمة ‏{‏مِّنَ الله قَالُواْ‏}‏ لكم ‏{‏أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ‏}‏ في الدين والجهاد فأعطونا من الغنيمة ‏{‏وَإِن كَانَ للكافرين نَصِيبٌ‏}‏ من الظفر عليكم ‏{‏قَالُواْ‏}‏ لهم ‏{‏أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ‏}‏ نستول ‏{‏عَلَيْكُمْ‏}‏ ونقدر على أخذكم وقتلكم فأبقينا عليكم‏؟‏ ‏{‏وَ‏}‏ ألم ‏{‏نَمْنَعَكُمْ مِّنَ المؤمنين‏}‏ أن يظفروا بكم بتخذيلهم ومراسَلتِكم بأخبارهم‏؟‏ فلنا عليكم المِنَّة، قال تعالى‏:‏ ‏{‏فالله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ‏}‏ وبينهم ‏{‏يَوْمُ القيامة‏}‏ بأن يدخلكم الجنة ويدخلهم النار ‏{‏وَلَن يَجْعَلَ الله للكافرين عَلَى المؤمنين سَبِيلاً‏}‏ طريقاً بالاستئصال‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏142‏]‏

‏{‏إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ‏(‏142‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ المنافقين يخادعون الله‏}‏ بإظهار خلاف ما أبطنوه من الكفر ليدفعوا عنهم أحكامه الدنيوية ‏{‏وَهُوَ خَادِعُهُمْ‏}‏ مجازيهم على خداعهم فيفتضحون في الدنيا بإطلاع الله نبيه على ما أبطنوه ويعاقبون في الآخرة ‏{‏وَإذا قامُواْ إلى الصلاوة‏}‏ مع المؤمنين ‏{‏قَامُواْ كسالى‏}‏ متثاقلين ‏{‏يرآءنالناس‏}‏ بصلاتهم ‏{‏وَلاَ يَذْكُرُونَ الله‏}‏ يصلّون ‏{‏إِلاَّ قَلِيلاً‏}‏ رياء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏143‏]‏

‏{‏مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ‏(‏143‏)‏‏}‏

‏{‏مُّذَبْذَبِينَ‏}‏ متردّدين ‏{‏بَيْنَ ذلك‏}‏ الكفر والإيمان ‏{‏لا‏}‏ منسوبين ‏{‏إلى هؤلاءآء‏}‏ أي الكفار ‏{‏وَلآ إِلَى هؤلاءآء‏}‏ أي المؤمنين ‏{‏وَمَن يُضْلِلِ‏}‏ ه ‏{‏الله فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً‏}‏ طريقاً إلى الهدى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏144‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا ‏(‏144‏)‏‏}‏

‏{‏سَبِيلاً ياأيها الذين ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الكافرين أَوْلِيآءَ مِن دُونِ المؤمنين أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلَّهِ عَلَيْكُمْ‏}‏ بموالاتهم ‏{‏سلطانا مُّبِيناً‏}‏ برهاناً بَيِّنا على نفاقكم‏؟‏

تفسير الآية رقم ‏[‏145‏]‏

‏{‏إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ‏(‏145‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ المنافقين فِى الدرك‏}‏ المكان ‏{‏الأسفل مِنَ النار‏}‏ وهو قعرها ‏{‏وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً‏}‏ مانعاً من العذاب‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏146‏]‏

‏{‏إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ‏(‏146‏)‏‏}‏

‏{‏إِلاَّ الذين تَابُواْ‏}‏ من النفاق ‏{‏وَأَصْلَحُواْ‏}‏ عملهم ‏{‏واعتصموا‏}‏ وَثِقُوا ‏{‏بالله وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ للَّهِ‏}‏ من الرياء ‏{‏فَأُوْلَئِكَ مَعَ المؤمنين‏}‏ فيما يُؤتونه ‏{‏وَسَوْفَ يُؤْتِ الله المؤمنين أَجْراً عَظِيماً‏}‏ في الآخرة هو الجنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏147‏]‏

‏{‏مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ‏(‏147‏)‏‏}‏

‏{‏مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ‏}‏ نعمه ‏{‏وَءامَنتُمْ‏}‏ به والاستفهام بمعنى النفي أي لا يعذبكم ‏{‏وَكَانَ الله شَاكِراً‏}‏ لأعمال المؤمنين بالإِثابة ‏{‏عَلِيماً‏}‏ بخلقه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏148‏]‏

‏{‏لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ‏(‏148‏)‏‏}‏

‏{‏لاَّ يُحِبُّ الله الجهر بالسوء مِنَ القول‏}‏ من أحد أي يعاقبه عليه ‏{‏إَلاَّ مَن ظُلِمَ‏}‏ فلا يؤاخذه بالجهر به بأن يخبر عن ظلم ظالمه ويدعو عليه ‏{‏وَكَانَ الله سَمِيعاً‏}‏ لما يقال ‏{‏عَلِيماً‏}‏ بما يفعل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏149‏]‏

‏{‏إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ‏(‏149‏)‏‏}‏

‏{‏إِن تُبْدُواْ‏}‏ تظهروا ‏{‏خَيْرًا‏}‏ من أعمال البر ‏{‏أَوْ تُخْفُوه‏}‏ تعملوه سراً ‏{‏أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوءٍ‏}‏ ظلم ‏{‏فَإِنَّ الله كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏150‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ‏(‏150‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الذين يَكْفُرُونَ بالله وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرّقُواْ بَيْنَ الله وَرُسُلِهِ‏}‏ بأن يؤمنوا به دونهم ‏{‏وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ‏}‏ من الرسل ‏{‏وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ‏}‏ منهم ‏{‏وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذلك‏}‏ الكفر والإيمان ‏{‏سَبِيلاً‏}‏ طريقاً يذهبون إليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏151‏]‏

‏{‏أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا ‏(‏151‏)‏‏}‏

‏{‏أُوْلَئِكَ هُمُ الكافرون حَقّاً‏}‏ مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله ‏{‏وَأَعْتَدْنَا للكافرين عَذَاباً مُّهِيناً‏}‏ ذا إهانة وهو عذاب النار‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏152‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ‏(‏152‏)‏‏}‏

‏{‏والذين ءامَنُواْ بالله وَرُسُلِهِ‏}‏ كلهم ‏{‏وَلَمْ يُفَرّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ‏}‏ بالنون والياء ‏{‏فَيُوَفّيهِمْ أُجُورَهُمْ‏}‏ ثواب أعمالهم ‏{‏وَكَانَ الله غَفُوراً‏}‏ لأوليائه ‏{‏رَّحِيماً‏}‏ بأهل طاعته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏153‏]‏

‏{‏يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآَتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا ‏(‏153‏)‏‏}‏

‏{‏يَسْئَلُكَ‏}‏ يا محمد ‏{‏أَهْلُ الكتاب‏}‏ اليهود ‏{‏أَن تُنَزّلَ عَلَيْهِمْ كتابا مِّنَ السماء‏}‏ جملةً كما أنزل الله على موسى تعنتا فإن استكبرت ذلك ‏{‏فَقَدْ سَأَلُواْ‏}‏ أي آباؤهم ‏{‏موسى أَكْبَرَ‏}‏ أعظم ‏{‏مِن ذلك فَقَالُواْ أَرِنَا الله جَهْرَةً‏}‏ عياناً ‏{‏فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة‏}‏ الموت عقاباً لهم ‏{‏بِظُلْمِهِمْ‏}‏ حيث تعنتوا في السؤال ‏{‏ثُمَّ اتخذوا العجل‏}‏ إلهاً ‏{‏مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينات‏}‏ المعجزات على وحدانية الله ‏{‏فَعَفَوْنَا عَن ذلك‏}‏ ولم نستأصلهم ‏{‏وَءَاتَيْنَا موسىسلطانا مُّبيناً‏}‏ تسلطاً بيناً ظاهراً عليهم حيث أمرهم بقتل أنفسهم توبة فأطاعوه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏154‏]‏

‏{‏وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ‏(‏154‏)‏‏}‏

‏{‏وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطور‏}‏ الجبل ‏{‏بميثاقهم‏}‏ بسبب أخذ الميثاق عليهم ليخافوا فيقبلوه ‏{‏وَقُلْنَا لَهُمُ‏}‏ وهو مُظِلُّ عليهم ‏{‏ادخلوا الباب‏}‏ باب القرية ‏{‏سُجَّدًا‏}‏ سجود انحناء ‏{‏وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ‏}‏ وفي قراءة بفتح العين وتشديد الدال ‏[‏تعدّوا‏]‏ وفيه إدغام التاء في الأصل في الدال أي لا تعتدوا ‏{‏فِى السبت‏}‏ باصطياد الحيتان فيه ‏{‏وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ ميثاقا غَلِيظاً‏}‏ على ذلك فنقضوه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏155‏]‏

‏{‏فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ‏(‏155‏)‏‏}‏

‏{‏فَبِمَا نَقْضِهِم‏}‏ «ما» زائدة والباء للسببية متعلقة بمحذوف، أي لعناهم بسبب نقضهم ‏{‏ميثاقهم وَكُفْرِهِم بئايات الله وَقَتْلِهِمُ الانبياء بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ‏}‏ للنبي صلى الله عليه وسلم ‏{‏قُلُوبُنَا غُلْفٌ‏}‏ لا تعي كلامك ‏{‏بَلْ طَبَعَ‏}‏ ختم ‏{‏الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ‏}‏ فلا تعي وعظاً ‏{‏فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً‏}‏ منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏156‏]‏

‏{‏وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ‏(‏156‏)‏‏}‏

‏{‏وَبِكُفْرِهِمْ‏}‏ ثانياً بعيسى وكرّر الباء للفصل بينه وبين ما عُطِفَ عليه ‏{‏وَقَوْلِهِمْ على مَرْيَمَ بهتانا عَظِيماً‏}‏ حيث رمَوها بالزنا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏157‏]‏

‏{‏وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ‏(‏157‏)‏‏}‏

‏{‏وَقَوْلِهِمْ‏}‏ مفتخرين ‏{‏إِنَّا قَتَلْنَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولَ الله‏}‏ في زعمهم أي بمجموع ذلك عذبناهم، قال تعالى تكذيباً لهم ‏{‏وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ولكن شُبِّهَ لَهُمْ‏}‏ المقتول والمصلوب- وهو صاحبهم- بعيسى أي ألقى الله عليه شبهه فظنوه إياه ‏{‏وَإِنَّ الذين اختلفوا فِيهِ‏}‏ أي في عيسى ‏{‏لَفِى شَكٍّ مّنْهُ‏}‏ من قتله حيث قال بعضهم لما رأوا المقتول‏:‏ الوجه وجه عيسى والجسد ليس بجسده فليس به، وقال آخرون‏:‏ بل هو هو ‏{‏مَا لَهُمْ بِهِ‏}‏ بقتله ‏{‏مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتباع الظن‏}‏ استثناء منقطع، أي لكن يتبعون فيه الظنّ الذي تخيّلوه ‏{‏وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً‏}‏ حال مؤكدة لنفي القتل‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏158- 158‏]‏

‏{‏بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ‏(‏158‏)‏‏}‏

‏{‏بَل رَّفَعَهُ الله إِلَيْهِ وَكَانَ الله عَزِيزاً‏}‏ في ملكه ‏{‏حَكِيماً‏}‏ في صنعه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏159‏]‏

‏{‏وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ‏(‏159‏)‏‏}‏

‏{‏وَإن‏}‏ ما ‏{‏مِّنْ أَهْلِ الكتاب‏}‏ أحد ‏{‏إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ‏}‏ بعيسى ‏{‏قَبْلَ مَوْتِهِ‏}‏ أي الكتابي حين يعاين ملائكة الموت فلا ينفعه إيمانه أو قبل موت عيسى لما ينزل قرب الساعة كما ورد في حديث ‏{‏وَيَوْمَ القيامة يَكُونُ‏}‏ عيسى ‏{‏عَلَيْهِمْ شَهِيداً‏}‏ بما فعلوه لما بُعِثَ إليهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏160‏]‏

‏{‏فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا ‏(‏160‏)‏‏}‏

‏{‏فَبِظُلْمٍ‏}‏ أي فبسبب ظلم ‏{‏مِّنَ الذين هَادُواْ‏}‏ هم اليهود ‏{‏حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طيبات أُحِلَّتْ لَهُمْ‏}‏ هي التي في قوله تعالى ‏{‏حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ‏}‏ ‏[‏146‏:‏ 6‏]‏ الآية ‏{‏وَبِصَدّهِمْ‏}‏ الناس ‏{‏عَن سَبِيلِ الله‏}‏ دينه صداً ‏{‏كَثِيراً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏161‏]‏

‏{‏وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ‏(‏161‏)‏‏}‏

‏{‏وَأَخْذِهِمُ الربا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ‏}‏ في التوراة ‏{‏وَأَكْلِهِمْ أموال الناس بالباطل‏}‏ بالرشا في الحكم ‏{‏وَأَعْتَدْنَا للكافرين مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً‏}‏ مؤلماً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏162‏]‏

‏{‏لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ‏(‏162‏)‏‏}‏

‏{‏لكن الراسخون‏}‏ الثابتون ‏{‏فِى العلم مِنْهُمْ‏}‏ كعبد الله بن سلام ‏{‏والمؤمنون‏}‏ المهاجرون والأنصار ‏{‏يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ‏}‏ من الكتب ‏{‏والمقيمين الصلاة‏}‏ نصب على المدح وقرئ بالرفع ‏{‏والمؤتون الزكواة والمؤمنون بالله واليوم الأخر أولئك سَنُؤْتِيهِمْ‏}‏ بالنون والياء ‏{‏أَجْراً عَظِيماً‏}‏ هو الجنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏163‏]‏

‏{‏إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ‏(‏163‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إلى نُوحٍ والنبيين مِن بَعْدِهِ و‏}‏ كما ‏{‏أَوْحَيْنَا إلى إِبْرَاهِيمَ وإسماعيل وإسحاق‏}‏ ابنيه ‏{‏وَيَعْقُوبَ‏}‏ ابن إسحاق ‏{‏وَالأَسْبَاطَ‏}‏ أولاده ‏{‏وعيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وهارون وسليمان وَءاتَيْنَا‏}‏ أباه ‏{‏دَاوُودُ زَبُوراً‏}‏ بالفتح اسم للكتاب المؤتى، والضم مصدر بمعنى مزبوراً أي مكتوباً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏164‏]‏

‏{‏وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ‏(‏164‏)‏‏}‏

‏{‏وَ‏}‏ أرسلنا ‏{‏رُسُلاً قَدْ قصصناهم عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ‏}‏ روي أنه تعالى بعث ثمانية آلاف نبيّ أربعة آلاف من بني إسرائيل وأربعة آلاف من سائر الناس قاله الشيخ في سورة ‏(‏غافر‏)‏ ‏[‏78‏:‏ 40‏]‏ ‏{‏وَكَلَّمَ الله موسى‏}‏ بلا واسطة ‏{‏تَكْلِيماً‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏165‏]‏

‏{‏رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ‏(‏165‏)‏‏}‏

‏{‏رُسُلاً‏}‏ بدل من ‏(‏رسلاً‏)‏ قبله ‏{‏مُبَشّرِينَ‏}‏ بالثواب من آمن ‏{‏وَمُنذِرِينَ‏}‏ بالعقاب من كفر أرسلناهم ‏{‏لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ‏}‏ تقال ‏{‏بَعْدَ‏}‏ إرسال ‏{‏الرسل‏}‏ إليهم ‏{‏فيقولوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتّبِعَ ءاياتك وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين‏}‏ ‏[‏47‏:‏ 28‏]‏ فبعثناهم لقطع عذرهم ‏{‏وَكَانَ الله عَزِيزاً‏}‏ في ملكه ‏{‏حَكِيماً‏}‏ في صنعه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏166‏]‏

‏{‏لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ‏(‏166‏)‏‏}‏

ونزل لما سئل اليهود عن نبوته صلى الله عليه وسلم فأنكروه ‏{‏لكن الله يَشْهَدُ‏}‏ يبين نبوّتك ‏{‏بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ‏}‏ من القرآن المعجز ‏{‏أَنزَلَهُ‏}‏ ملتبساً ‏{‏بِعِلْمِهِ‏}‏ أي عالماً به أو وفيه علمه ‏{‏والملئكة يَشْهَدُونَ‏}‏ لك أيضاً ‏{‏وكفى بالله شَهِيداً‏}‏ على ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏167‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا ‏(‏167‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الذين كَفَرُواْ‏}‏ بالله ‏{‏وَصُدُّواْ‏}‏ الناس ‏{‏عَن سَبِيلِ الله‏}‏ دين الإسلام بكتمهم نعت محمد صلى الله عليه وسلم وهم اليهود ‏{‏قَدْ ضَلُّواْ ضلالا بَعِيداً‏}‏ عن الحق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏168‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا ‏(‏168‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الذين كَفَرُواْ‏}‏ بالله ‏{‏وَظَلَمُواْ‏}‏ نبيه بكتمان نعته ‏{‏لَمْ يَكُنِ الله لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً‏}‏ من الطرق‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏169‏]‏

‏{‏إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ‏(‏169‏)‏‏}‏

‏{‏إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ‏}‏ أي الطريق المؤدّي إليها ‏{‏خالدين‏}‏ مقدّرين الخلود ‏{‏فِيهَا‏}‏ إذا دخلوها ‏{‏أَبَداً وَكَانَ ذلك عَلَى الله يَسِيراً‏}‏ هيناً‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏170‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآَمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ‏(‏170‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الناس‏}‏ أي أهل مكة ‏{‏قَدْ جَاءكُمُ الرسول‏}‏ محمد صلى الله عليه وسلم ‏{‏بالحق مِن‏}‏ عند ‏{‏رَّبّكُمْ فَئَامِنُواْ‏}‏ به واقصدوا ‏{‏خَيْراً لَّكُمْ‏}‏ مما أنتم فيه ‏{‏وَإِن تَكْفُرُواْ‏}‏ به ‏{‏فَإِنَّ للَّهِ مَا فِى السموات والأرض‏}‏ ملكاً وخلقاً وعبيداً فلا يضرّه كفركم ‏{‏وَكَانَ الله عَلِيماً‏}‏ بخلقه ‏{‏حَكِيماً‏}‏ في صنعه بهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏171‏]‏

‏{‏يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا ‏(‏171‏)‏‏}‏

‏{‏ياأهل الكتاب‏}‏ الإنجيل ‏{‏لاَ تَغْلُواْ‏}‏ تتجاوزوا الحدّ ‏{‏فِى دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ‏}‏ القول ‏{‏الحق‏}‏ من تنزيهه عن الشريك والولد ‏{‏إِنَّمَا المسيح عِيسَى ابن مَرْيَمَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ ألقاها‏}‏ أوصلها الله ‏{‏إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ‏}‏ أي ذو روح ‏{‏مِنْهُ‏}‏ أضيف إليه تعالى تشريفاً له وليس كما زعمتم ابن الله أو إلهاً معه أو ثالث ثلاثة لأن ذا الروح مركب والإِله منزه عن التركيب وعن نسبة المركب إليه ‏{‏فَئَامِنُواْ بااله وَرُسُلِهِ وَلاَتَقُولُواْ‏}‏ الآلهة ‏{‏ثلاثة‏}‏ الله وعيسى وأُمّه ‏{‏انتهوا‏}‏ عن ذلك وأتوا ‏{‏خَيْراً لَّكُمْ‏}‏ منه وهو التوحيد ‏{‏إِنَّمَا الله إله واحد سبحانه‏}‏ تنزيهاً له عن ‏{‏أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض‏}‏ خلقاً وملكاً وعبيداً والملكية تنافي النبوّة ‏{‏وكفى بالله وَكِيلاً‏}‏ شهيداً على ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏172‏]‏

‏{‏لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا ‏(‏172‏)‏‏}‏

‏{‏لَّن يَسْتَنكِفَ‏}‏ يتكبر ويأنف ‏{‏المسيح‏}‏ الذي زعمتم أنه إله عن ‏{‏أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ وَلاَ الملئكة المقربون‏}‏ عند الله لا يستنكفون أن يكونوا عبيداً للهِ، وهذا من أحسن الاستطراد ذكر للرد على من زعم أنها آلهة أو بنات الله كما رَدَّ بما قبله على النصارى الزاعمين ذلك المقصود خطابهم ‏{‏وَمَن يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً‏}‏ في الآخرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏173‏]‏

‏{‏فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ‏(‏173‏)‏‏}‏

‏{‏فَأَمَّا الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَيُوَفّيهِمْ أُجُورَهُمْ‏}‏ ثواب أعمالهم ‏{‏وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ‏}‏ ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ‏{‏وَأَمَّا الذين استنكفوا واستكبروا‏}‏ عن عبادته ‏{‏فَيُعَذّبُهُمْ عَذَاباً أَلُيماً‏}‏ مؤلماً هو عذاب النار ‏{‏وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مّن دُونِ الله‏}‏ أي غيره ‏{‏وَلِيّاً‏}‏ يدفعه عنهم ‏{‏وَلاَ نَصِيراً‏}‏ يمنعهم منه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏174‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ‏(‏174‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الناس قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ‏}‏ حجة ‏{‏مِّن رَّبِّكُمْ‏}‏ عليكم وهو النبي صلى الله عليه وسلم ‏{‏وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً‏}‏ بيِّناً وهو القرآن‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏175‏]‏

‏{‏فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ‏(‏175‏)‏‏}‏

‏{‏فَأَمَّا الذين ءامَنُواْ بالله واعتصموا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِى رَحْمَةٍ مَّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صراطا‏}‏ طريقاً ‏{‏مُّسْتَقِيماً‏}‏ هو دين الإسلام‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏176‏]‏

‏{‏يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ‏(‏176‏)‏‏}‏

‏{‏يَسْتَفْتُونَكَ‏}‏ في الكلالة ‏{‏قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِى الكلالة إِن امرؤ‏}‏ مرفوع بفعل يفسره ‏{‏هَلَكَ‏}‏ مات ‏{‏لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ‏}‏ أي ولا والد وهو الكلالة ‏{‏وَلَهُ أُخْتٌ‏}‏ من أبوين أو أب ‏{‏فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ‏}‏ أي الأخ كذلك ‏{‏يَرِثُهَا‏}‏ جميع ما تركت ‏{‏إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَا وَلَدٌ‏}‏ فإن كان لها ولد ذكر فلا شيء له أو أنثى فله ما فضل عن نصيبها ولو كانت الأخت أو الأخ من أمّ ففرضه السدس كما تقدّم أوّل السورة ‏[‏12‏:‏ 4‏]‏ ‏{‏فَإِن كَانَتَا‏}‏ أي الأختان ‏{‏اثنتين‏}‏ أي فصاعداً لأنها نزلت في جابر وقد مات عن أخوات ‏{‏فَلَهُمَا الثلثان مِمَّا تَرَكَ‏}‏ الأخ ‏{‏وَإِن كَانُواْ‏}‏ أي الورثة ‏{‏إِخْوَةً رّجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ‏}‏ منهم ‏{‏مِثْلُ حَظّ الأنثيين يُبَيّنُ الله لَكُمْ‏}‏ شرائع دينكم ل ‏{‏أن‏}‏ لا ‏{‏تَضِلُّواْ والله بِكُلّ شَئ عَلِيمٌ‏}‏ ومنه الميراث روى الشيخان عن البراء أنها آخر آية نزلت أي من الفرائض‏.‏

سورة المائدة

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءَامَنُواْ أَوْفُواْ بالعقود‏}‏ العهود المؤكدة التي بينكم وبين الله والناس ‏{‏أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنعام‏}‏ الإِبل والبقر والغنم أكلاً بعد الذبح ‏{‏إِلاَّ مَا يتلى عَلَيْكُمْ‏}‏ تحريمه في ‏{‏حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة‏}‏ الآية، فالاستثناء منقطع، ويجوز أن يكون متصلاً والتحريم لما عرض من الموت ونحوه ‏{‏غَيْرَ مُحِلّى الصيد وَأَنتُمْ حُرُمٌ‏}‏ أي مُحْرِمون، ونصب «غير» على الحال من ضمير ‏(‏لكم‏)‏ ‏{‏إِنَّ الله يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ‏}‏ من التحليل وغيره لا اعتراض عليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءَامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شعائر الله‏}‏ جمع ‏(‏شعيرة‏)‏ أي معالم دينه بالصيد في الإِحرام ‏{‏وَلاَ الشهر الحرام‏}‏ بالقتال فيه ‏{‏وَلاَ الهدى‏}‏ ما أهدي إلى الحرم من النعم بالتعرّض له ‏{‏وَلاَ القلائد‏}‏ جمع ‏(‏قلادة‏)‏، وهي ما كان يقلد به من شجر الحرم ليأمن، أي فلا تتعرّضوا لها ولا لأصحابها ‏{‏وَلاَ‏}‏ تحلوا ‏{‏أَمِينَ‏}‏ قاصدين ‏{‏البيت الحرام‏}‏ بأن تقاتلوهم ‏{‏يَبْتَغُونَ فَضْلاً‏}‏ رزقاً ‏{‏مِّن رَّبِّهِمْ‏}‏ بالتجارة ‏{‏وَرِضْوَاناً‏}‏ منه بقصده بزعمهم الفاسد، وهذا منسوخ بآية ‏(‏براءة‏)‏ ‏[‏5‏:‏ 9‏]‏ ‏{‏وَإِذَا حَلَلْتُمْ‏}‏ من الإِحرام ‏{‏فاصطادوا‏}‏ أمر إباحة ‏{‏وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ‏}‏ يكسبنكم ‏{‏شَنَئَانُ‏}‏ بفتح النون وسكونها، بَغض ‏{‏قَوْمٍ‏}‏ لأجل ‏{‏أَن صَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام أَن تَعْتَدُواْ‏}‏ عليهم بالقتل وغيره ‏{‏وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البر‏}‏ فعل ما أمرتم به ‏{‏والتقوى‏}‏ بترك ما نهيتم عنه ‏{‏وَلاَ تَعَاوَنُواْ‏}‏ فيه حذف إحدى التاءين في الأصل ‏{‏عَلَى الإثم‏}‏ المعاصي ‏{‏والعدوان‏}‏ التعدّي في حدود الله ‏{‏واتقوا الله‏}‏ خافوا عقابه بأن تطيعوه ‏{‏أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب‏}‏ لمن خالفه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ الميتة‏}‏ أي أكلها ‏{‏والدم‏}‏ أي المسفوح كما في ‏(‏الأنعام‏)‏ ‏[‏145‏:‏ 6‏]‏ ‏{‏وَلَحْمُ الخنزير وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ‏}‏ بأن ذبح على اسم غيره ‏{‏والمنخنقة‏}‏ الميتة خنقاً ‏{‏والموقوذة‏}‏ المقتولة ضرباً ‏{‏والمتردية‏}‏ الساقطة من علو إلى أسفل فماتت ‏{‏والنطيحة‏}‏ المقتولة بنطح أخرى لها ‏{‏وَمَا أَكَلَ السبع‏}‏ منه ‏{‏إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ‏}‏ أي أدركتم فيه الروح من هذه الأشياء فذبحتموه ‏{‏وَمَا ذُبِحَ عَلَى‏}‏ اسم ‏{‏النصب‏}‏ جمع ‏(‏نصاب‏)‏ وهي الأصنام ‏{‏وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ‏}‏ تطلبوا القَسْم والحكم ‏{‏بالأزلام‏}‏ جمع ‏(‏زلم‏)‏ بفتح الزاي وضمها مع فتح اللام ‏(‏قدح‏)‏ بكسر القاف صغير لا ريش له ولا نصل وكانت سبعة عند سادن الكعبة عليها أعلام وكانوا يحكمونها فإن أمرتهم ائتمروا وإن نهتهم انتهوا ‏{‏ذلكم فِسْقٌ‏}‏ خروج عن الطاعة، ونزل يوم عرفة عام حجة الوداع ‏{‏اليوم يَئِسَ الذين كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ‏}‏ أن ترتدوا عنه بعد طمعهم في ذلك لما رأوا من قوّته ‏{‏فَلاَ تَخْشَوْهُمْ واخشون اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ‏}‏ أحكامه وفرائضه فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام ‏{‏وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى‏}‏ بإكماله وقيل بدخول مكة آمنين ‏{‏وَرَضِيتُ‏}‏ أي اخترت ‏{‏لَكُمُ الإسلام دِيناً فَمَنِ اضطر فِى مَخْمَصَةٍ‏}‏ مجاعة إلى أكل شيء مما حرم عليه فأكله ‏{‏غَيْرَ مُتَجَانِفٍ‏}‏ مائل ‏{‏لإِثْمٍ‏}‏ معصية ‏{‏فَإِنَّ الله غَفُورٌ‏}‏ له ما أكل ‏{‏رَّحِيمٌ‏}‏ به في إباحته له بخلاف المائل لإِثم أي المتلبس به كقاطع الطريق والباغي مثلاً فلا يحل له الأكل‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏يَسْئَلُونَكَ‏}‏ يا محمد ‏{‏مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ‏}‏ من الطعام ‏{‏قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات‏}‏ المستلذات ‏{‏وَ‏}‏ صيد ‏{‏مَا عَلَّمْتُمْ مّنَ الجوارح‏}‏ الكواسب من الكلاب والسباع والطير ‏{‏مُكَلّبِينَ‏}‏ حال من ‏(‏كلَّبت الكلب‏)‏ بالتشديد‏:‏ أي أرسلته على الصيد ‏{‏تُعَلِّمُونَهُنَّ‏}‏ حال من ضمير ‏(‏مكلبين‏)‏، أي تؤَدِّبونهن ‏{‏مِمَّا عَلَّمَكُمُ الله‏}‏ من آداب الصيد ‏{‏فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ‏}‏ وإن قتلنه بأن لم يأكلن منه بخلاف غير المعلمة فلا يحل صيدها وعلامتها أن تُسْتَرْسَلَ إذا أرسلت وتنزجر إذا زجرت وتمسك الصيد ولا تأكل منه وأقل ما يعرف به ذلك ثلاث مرات فإن أكلت منه فليس مما أمسكن على صاحبهن فلا يحل أكله كما في حديث الصحيحين وفيه أن صيد السهم إذا أرسل وذكر اسم الله عليه كصيد المعلم من الجوارح ‏{‏واذكروا اسم الله عَلَيْهِ‏}‏ عند إرساله ‏{‏واتقوا الله إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات‏}‏ المستلذات ‏{‏وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب‏}‏ أي ذبائح اليهود والنصارى ‏{‏حِلٌّ‏}‏ حلال ‏{‏لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ‏}‏ إياهم ‏{‏حِلٌّ لَّهُمْ والمحصنات مِنَ المؤمنات والمحصنات‏}‏ الحرائر ‏{‏مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ‏}‏ حلّ لكم أن تنكحوهن ‏{‏إِذَا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ‏}‏ مهورهن ‏{‏مُّحْصِنِينَ‏}‏ متزوّجين ‏{‏غَيْرَ مسافحين‏}‏ معلنين بالزنا بهن ‏{‏وَلاَ مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ‏}‏ منهن تُسِرُّون بالزنا بهنّ ‏{‏وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان‏}‏ أي يرتدّ ‏{‏فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ‏}‏ الصالح قبل ذلك فلا يعتدّ به ولا يثاب عليه ‏{‏وَهُوَ فِى الأخرة مِنَ الخاسرين‏}‏ إذا مات عليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءَامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ‏}‏ أي أردتم القيام ‏{‏إِلَى الصلاة‏}‏ وأنتم محدثون ‏{‏فاغسلوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق‏}‏ أي معها كما بينته السنة ‏{‏وامسحوا بِرُءُوسِكُمْ‏}‏ الباء للالصاق أي ألصقوا المسح بها من غير إسالة ماء وهو اسم جنس فيكفي أقل ما يصدق عليه وهو مسح بعض شعره وعليه الشافعي، ‏{‏وَأَرْجُلَكُمْ‏}‏ بالنصب عطفاً على ‏(‏أيديكم‏)‏ وبالجر على الجوار ‏{‏إِلَى الكعبين‏}‏ أي معهما كما بينته السنة وهما العظمان النائتان في كل رجل عند مفصل الساق والقدم والفصل بين الأيدي والأرجل المغسولة بالرأس الممسوح يفيد وجوب الترتيب في طهارة هذه الأعضاء وعليه الشافعي ويؤخذ من السنة وجوب النية فيه كغيره من العبادات ‏{‏وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فاطهروا‏}‏ فاغتسلوا ‏{‏وَإِنْ كُنتُم مرضى‏}‏ مرضاً يضره الماء ‏{‏أَوْ على سَفَرٍ‏}‏ أي مسافرين ‏{‏أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مّنْكُمْ مّن الغائط‏}‏ أي أحدث ‏{‏أَوْ لامستم النساء‏}‏ سبق مثله في آية ‏(‏النساء‏)‏ ‏[‏43‏:‏ 4‏]‏ ‏{‏فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً‏}‏ بعد طلبه ‏{‏فَتَيَمَّمُواْ‏}‏ اقصدوا ‏{‏صَعِيداً طَيّباً‏}‏ تراباً طاهراً ‏{‏فامسحوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ‏}‏ مع المرفقين ‏{‏مِنْهُ‏}‏ بضربتين، والباء للالصاق، وبينت السنة أن المراد استيعاب العضوين بالمسح ‏{‏مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مّنْ حَرَجٍ‏}‏ ضيق بما فرض عليكم من الوضوء والغسل والتيمم ‏{‏ولكن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ‏}‏ من الأحداث والذنوب ‏{‏وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ‏}‏ بالإِسلام ببيان شرائع الدين ‏{‏لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏}‏ نعمه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏واذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ‏}‏ بالإِسلام ‏{‏وميثاقه‏}‏ عهده ‏{‏الذى وَاثَقَكُم بِهِ‏}‏ عاهدكم عليه ‏{‏إِذْ قُلْتُمْ‏}‏ للنبي صلى الله عليه وسلم حين بايعتموه ‏{‏سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا‏}‏ في كل ما تأمر به وتنهى ‏[‏عنه‏]‏ مما نحب ونكره ‏{‏واتقوا الله‏}‏ في ميثاقه أن تنقضوه ‏{‏إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور‏}‏ بما في القلوب فبغيره أولى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ‏}‏ قائمين ‏{‏لِلَّهِ‏}‏ بحقوقه ‏{‏شُهَدَاءَ بالقسط‏}‏ بالعدل ‏{‏وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ‏}‏ يحملنكم ‏{‏شَنَئَانُ‏}‏ بغض ‏{‏قَوْمٍ‏}‏ أي الكفار ‏{‏عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ‏}‏ فتنالوا منهم لعداوتهم ‏{‏اعدلوا‏}‏ في العدوّ والولي ‏{‏هُوَ‏}‏ أي العدل ‏{‏أَقْرَبُ للتقوى واتقوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ‏}‏ فيجازيكم به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏وَعَدَ الله الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات‏}‏ وعداً حسناً ‏{‏لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ‏}‏ هو الجنة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏والذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بئاياتنا أولئك أصحاب الجحيم‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءامَنُواْ اذكروا نِعْمتَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ‏}‏ هم قريش ‏{‏أَن يَبْسُطُواْ‏}‏ يمدوا ‏{‏إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ‏}‏ ليفتكوا بكم ‏{‏فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ‏}‏ وعصمكم مما أرادوا بكم ‏{‏واتقوا الله وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون‏}‏‏.‏